{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنعام فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً} لما ذكر تعالى الذبائح بين أنه لم يخل منها أمة، والامة القوم المجتمعون على مذهب واحد، أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكا. والمنسك الذبح وإراقة الدم، قاله مجاهد. يقال: نسك إذا ذبح ينسك نسكا. والذبيحة نسيكة، وجمعها نسك، ومنه قوله تعالى: {أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة: 196]. والنسك أيضا الطاعة.وقال الأزهري في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً}: إنه يدل على موضع النحر في هذا الموضع، أراد مكان نسك. ويقال: منسك ومنسك، لغتان، وقرى بهما. قرأ الكوفيون إلا عاصما بكسر السين، الباقون بفتحها.وقال الفراء: المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير أو شر. وقيل مناسك الحج لترداد الناس إليها من الوقوف بعرفة ورمى الجمار والسعى.وقال ابن عرفة في قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً}: أي مذهبا من طاعة الله تعالى، يقال: نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم.وقيل: منسكا عيدا، قاله الفراء.وقيل: حجا، قاله قتادة. والقول الأول أظهر، لقوله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنعام} أي على ذبح ما رزقهم. فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح له، لأنه رازق ذلك. ثم رجع اللفظ من الخبر عن الأمم إلى إخبار الحاضرين بما معناه فالإله واحد لجميعكم، فكذلك الامر في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له. فوله تعالى: {فَلَهُ أَسْلِمُوا} معناه لحقه ولوجهه وإنعامه آمنوا وأسلموا. ويحتمل أن يريد الاستسلام، أي له أطيعوا وانقادوا. قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} المخبت: المتواضع الخاشع من المؤمنين. والخبت ما انخفض من الأرض، أي بشرهم بالثواب الجزيل. قال عمرو بن أوس: المخبتون الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.وقال مجاهد فيما روى عنه سفيان عن ابن أبى نجيح: المخبتون المطمئنون بأمر الله عز وجل.